بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حديث جبريل لفضيلة الشيخ محمد بن صالح لعاثين ـ رحمه الله ـيم
عن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أيضا قال : "
بينما نحن جلوس عند رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ذات يوم ، إذ
طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر
السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم
ـ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني
عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : الإسلام : أن
تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي
الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت .
فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله
، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره .
قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ،
فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسئول
عنها بأعلم من السائل ! قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة
ربّتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان .
ثم انطلق فلبثت مليا ، ثم قال : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله
أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم .
الشرح :
هذا الحديث يستفاد منه فوائد :
منها : أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مجالسة أصحابه ، وهذا الهدي يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أنه ينبغي للإنسان أن يكون ذا عشرة مع الناس ومجالسة ، وأن لا ينزوي عنهم .
ومن
فوائد الحديث : أن الخلطة مع الناس أفضل من العزلة ما لم يخش الإنسان على
دينه ، فإن خشي على دينه فالعزلة أفضل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"
يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ".
ومن فوائد هذا الحديث:
أن
الملائكة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يمكن أن يظهروا للناس بأشكال البشر ؛
لأن جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ طلع على الصحابة على الوصف المذكور في
الحديث رجل شديد سواد الشعر ، شديد بياض الثياب ، لا يُرى عليه أثر السفر
، ولا يعرفه من الصحابة أحد .
ومن فوائد الحديث :
حسن أدب
المتعلم أمام المعلم حيث جلس جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمام النبي
صلى الله عليه وسلم هذه الجلسة الدالة على الأدب والإصغاء والاستعداد لما
يلقى إليه ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه .
ومنها :
جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم باسمه ، لقوله : " يا محمد " . وهذا
يحتمل أنه قبل النهي أي : قبل نهي الله تعالى عن ذلك في قوله : (( لا
تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا )) [ النور : 63 ] . على أحد
التفسيرين ، ويحتمل أن هذا جرى على عادة الأعراب الذين يأتون إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم فينادونه باسمه : يا محمد . وهذا أقرب ؛ لأن الأول
يحتاج إلى التاريخ .
ومن فوائد هذا الحديث :
جواز سؤال الإنسان عما
يعلم من أجل تعليم من لا يعلم ؛ لأن جبريل كان يعلم الجواب ؛ لقوله في
الحديث " صدقت " ولكن إذا قصد السائل أن يتعلم من حول المجيب فإن ذلك
يعتبر تعليما لهم .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المتسبب له حكم المباشر
إذا كانت المباشرة مبنية على السبب ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"
هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " . مع أن المعلم هو الرسول ـ عليه الصلاة
والسلام ـ لكن لمّا كان جبريل هو السبب لسؤاله جعله الرسول ـ عليه الصلاة
والسلام ـ هو المعلم .
ومن فوائد هذا الحديث : بيان أن الإسلام له
خمسة أركان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بذلك وقال :" الإسلام: أن
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ،وتؤتي
الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لابد أن يشهد الإنسان شهادة بلسانه موقنا بها بقلبه أن لا إله إلا الله .
فمعنى"
لا إله ": أي لا معبود حق إلا الله ، فتشهد بلسانك موقنا بقلبك أنه لا
معبود من الخلق : من الأنبياء ، أو الأولياء ، أو الصالحين ، أو الشجر ،
أو الحجر ، أو غير ذلك حق إلا الله ، وأن ما عبد من دون الله فهو باطل ؛
لقول الله تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل
وأن الله هو العلي الكبير )) [ الحج : 62 ] .
ومن فوائد هذا الحديث :
أن هذا الدين لا يكمل إلا بشهادة أن محمدا رسول الله ، وهو محمد بن عبد
الله القرشي الهاشمي ، ومن أراد تمام العلم بهذا الرسول الكريم فليقرأ
القرآن وما تيسر من السنة وكتب التاريخ .
ومن فوائد هذا الحديث : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا
رسول الله في ركن واحد ؛ وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بأمرين :
الإخلاص لله : وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله .
والمتابعة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وهو ما تتضمنه شهادة أن محمدا رسول الله
؛ ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ركنا واحدا في حديث ابن عمر حيث
قال : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول
الله ، وإقام الصلاة ......" وذكر تمام الحديث . ومن فوائد هذا الحديث :
أنه لا يتم إسلام العبد حتى يقيم الصلاة ، ولإقامة الصلاة أن يأتي بها
مستقيمة حسب ما جاءت به الشريعة ، ولها ـ أي : لإقامة الصلاة ـ إقامة
واجبة وإقامة كاملة .
فالواجبة : أن يقتصر على أقل ما يجب فيها .
والكاملة : أن يأتي بمكملاتها على حسب ماهو معروف في الكتاب والسنة وأقوال العلماء .
ومن
فوائد الحديث : أنه لا يتم الإسلام إلا بإيتاء الزكاة . والزكاة : هي
المال المفروض من الأموال الزكوية . وإيتاؤها : إعطاؤها من يستحقها ، وقد
بين الله ذلك في سورة التوبة في قوله : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم )) [ التوبة : 60 ] .
وأما صوم رمضان : فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات منطلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ورمضان هو الشهر الذي بين شعبان وشوال .
وأما
حج البيت : فهو القصد إلى مكة لأداء المناسك ، وقيد بالإستطاعة ؛ لأن
الغالب فيه المشقة ، وإلا فجميع الواجبات يشترط لوجوبها الإستطاعة ؛ لقوله
تعالى : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) [ التغابن : 16 ] .
ومن القواعد المقررة عند العلماء : أنه لا واجب مع عجز ، ولا محرم مع الضرورة .
ومن
فوائد هذا الحديث : وصف الرسول الملكي للرسول البشري محمد صلى الله عليه
وسلم بالصدق ، ولقد صدق جبريل فيما وصفه بالصدق ، فإن النبي صلى الله عليه
وسلم أصدق الخلق .
ومن فوائد الحديث : ذكاء الصحابة حيث تعجبوا كيف
يصدق السائل من سأله ؟! والأصل أن السائل جاهل ، والجاهل لا يمكن أن يحكم
على الكلام بالصدق أو بالكذب ، لكن هذا العجب زال حين قال النبي صلى الله
عليه وسلم :" هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " .
ومن فوائد الحديث : أن
الإيمان يتضمن ستة أمور : وهي الإيمان بالله ، وملائكته ،وكتبه ،ورسله ،
واليوم الآخر ، والقضاء والقدر خيره وشره .
ومن فوائد الحديث :
التفريق بين الإسلام والإيمان، وهذا عند ذكرهما جميعا ، فإنه يفسر الإسلام
بأعمال الجوارح ، والإيمان بأعمال القلوب ، ولكن عند الإطلاق يكون كل واحد
منهما شاملا للآخر ، فقوله تعالى : (( ورضيت لكم الإسلام )) [ المائدة : 3
] . وقوله : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا )) [ آل عمران : 85 ] . يشمل
الإسلام والإيمان ، وقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( وأن الله مع المؤمنين
)) [ الأنفال : 19 ] . وما أشبهها من الآيات يشمل الإيمان والإسلام ،
وكذلك قوله تعالى : (( فتحرير رقبة مؤمنة )) [ النساء : 92 ] .يشمل
الإسلام والإيمان .
أما إذا ذكرا جميعا فيفسر كل واحد منهما بما دل عليه هذا الحديث .
ومن
فوائد هذا الحديث العظيم : أن الإيمان بالله أهم أركان الإيمان وأعظمها ؛
ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أن تؤمن بالله " .
والإيمان
بالله يتضمن : الإيمان بوجوده ، وربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته ،
ليس هو الإيمان بمجرد وجوده ، بل أن يتضمن الإيمان هذه الأمور الأربعة :
الإيمان بوجوده ، وربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته .
ومن فوائد
هذا الحديث العظيم : إثبات الملائكة ، والملائكة : عالم غيبي وصفهم الله
تعالى بأوصاف كثيرة في القرآن ، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في السنة
.
وكيفية الإيمان بهم : أن تؤمن بأسماء من عينت أسماؤهم منهم، ومن لم
يعين أسمائهم فإننا نؤمن بهم إجمالا ، ونؤمن كذلك بما ورد من أعمالهم التي
يقومون بها ما علمنا منها ، ونؤمن كذلك بأوصافهم التي وصفوا بها ما علمنا
منها ، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ـ عليه الصلاة
والسلام ـ وله ستمائة جناح قد سد الأفق على خلقته التي خلق عليها .
وواجبنا
نحو الملائكة أن نصدق بهم ، وأن نحبهم ؛ لأنهم عباد الله قائمون بأمره ،
كما قال تعالى : (( ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ـ يسبحون
الليل والنهار لا يفترون )) [ الأنبياء : 19 ـ 20 ] .
ومن فوائد هذا
الحديث : وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عزوجل على رسله ـ عليهم
الصلاة والسلام ـ قال الله تعالى : (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا
معهم الكتاب والميزان )) [ الحديد :25 ] .
فنؤمن بكل كتاب أنزله
الله على رسله ، لكن نؤمن به إجمالا ، ونصدق بأنه حق ، أما تفصيلا : فإن
الكتب السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغيير ، فلم يمكن للإنسان أن
يميزالحق منها من الباطل ، وعل هذا فنقول : نؤمن بما أنزل الله من الكتب
على سبيل الإجمال ، أما التفصيل : فإننا نخشى أن يكون مما حُرّف وبُدّل
وغُيّر ، هذا بالنسبة للإيمان بالكتب . أما العمل بها : فالعمل إنما هو
بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فقط ، أما ما سواه فقد نسخ بهذه
الشريعة .
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب الإيمان بالرسل ـ عليهم
الصلاة والسلام ـ فنؤمن بأن كل رسول أرسله الله فهو حق أتى بالحق ، صادق
فيما أخبر ، صادق بما أمر به ، نؤمن بهم إجمالا فيمن لم نعرفه بعينه ،
وتفصيلا فيمن عرفناه بعينه .
قال تعالى : (( ولقدأرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك )) [ غافر : 78 ] .
فمن
قص علينا وعرفناه آمنا به بعينه ، ومن لم يقص علينا ولم نعرفه نؤمن به
إجمالا ، والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله
عليه وسلم ، ومنهم الخمسة أولو العزم الذين جمعهم الله في آيتين من كتاب
الله ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ في سورة الأحزاب : (( وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم )) [ الأحزاب
: 7 ] الآية . وقال تعالى في سورة الشورى ( شرع لكم من الدين ما وصى به
نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين
ولا تتفرقوا فيه )) [ الشورى : 13 ] الآية .
ومن فوائد هذا الحديث :
الإيمان باليوم الآخر ،واليوم الآخر : هو يوم القيامة ، وسمي آخرا ؛ لأنه
آخر المطاف للبشر ، فإن للبشر أربعة دور :
الدار الأولى : بطن أمه .
والدار الثانية : هذه الدنيا . والدار الثالثة : البرزخ . والدار الرابعة
: اليوم الآخر. ولا دار بعده ، فإما إلى جنة ، وإما إلى نار .
والإيمان
باليوم الآخر يدخل فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " كل
ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فيدخل في ذلك
ما يكون في القبر من سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه ، وما يكون في القبر
من نعيم أو عذاب ".
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره وذلك بأن تؤمن بأمورأربعة :
الأول : أن تؤمن أنالله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة .
الثالث : أن تؤمن بأن كل ما يحدث في الكون فإنه بمشيئة الله عز وجل لا يخرج شيء عن مشيئته .
الرابع
: أن تؤمن بأن الله خلق كل شيء ، فكل شيء مخلوق لله عزوجل سواء كان من
فعله الذي يختص به كإنزال المطر ، وإخراج النبات ، أو من فعل العبد وفعل
المخلوقات ، فإن فعل المخلوقات من خلق الله عز وجل ، لأن فعل المخلوق ناشئ
عن إرادة وقدرة ، والإرادة والقدرة من صفات العبد ، والعبد وصفاته مخلوقة
لله عزوجل ، فكل ما في الكون فهو من خلق الله تعالى .
ولقد قدر الله
عز وجل ما يكون إلى يوم القيامة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ،
فما قدر على الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما لم يقدرلم يكن ليصيبه ، هذه
أركان الإيمان الستة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتم الإيمان
إلا بالإيمان بها جميعا ، نسأل الله أن يجعلنا جميعا من المؤمنين بها .
ومن
فوائد هذا الحديث : بيان الإحسان : وهو أن يعبد الإنسان ربه عبادة رغبة
وطلب كأنه يراه ، فيجب أن يصل إليه ، وهذه الدرجة من الإحسان هي الأكمل ،
فإن لم يصل إلى هذه الحال فإلى الدرجة الثانية أن يعبد الله عبادة خوف ،
وهرب من عذابه ؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإن لم تكن تراه
فإنه يراك " . أي : فإن لم تعبده كأنك تراك فإنه يراك .
ومن فوائد
هذا الحديث العظيم: أن علم الساعة مكتوم لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فمن
ادعى علمه فهو كاذب ، وهذا كان خافيا على أفضل الرسل من الملائكة ، وأفضل
الرسل من البشر محمد وجبريل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ .
ومن فوائد هذا
الحديث: أن للساعة أشراطا ـ أي :علامات ـ كما قال تعالى : ((فهل ينظرون
إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها )) [ محمد : 18]. ، أي :
علاماتها .
وقسم العلماء علامات الساعة إلى ثلاث أقسام : قسم مضى ،
وقسم لا يزال يتجدد ، وقسم لا يأتي إلا قرب قيام الساعة تماما ، وهي
الأشراط الكبيرة العظمى : كنزول عيسى بن مريم عليه السلام ، والدجال ،
ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها .
وقد ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم من أماراتها أن تلد الأمة ربتها ـ يعني : أن تكون المرأة أمة
فتلد امرأة فتكون هذه المرأة غنية تملك مثل أمها ـ وهو كناية عن سرعة كثرة
المال ، وانتشاره بين الناس، ويؤيد ذلك المثل الذي بعده " وأن ترى الحفاة
العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " .
ومن فوائد هذا
الحديث : حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث استفهم الصحابة هل
يعلمون هذا السائل أم لا ؟ من أجل أن يعلمهم به ، وهذا أبلغ مما لو علمهم
ابتداء ؛ لأنه إذا سألهم ثم علمهم كان ذلك أدعى لوعي ما يقول وثبوته .
ومن
فوائد هذا الحديث العظيم : أن السائل عن العلم يعتبر معلما ، وسبقت
الإشارة إلى هذا لكن أريد أن أبين أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عما يحتاجه
الناس ولو كان عالما به من أجل أن ينال التعليم ، والله الموفق .
المصدر :
التعليقات على الأربعين النووية
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ .
شرح حديث جبريل لفضيلة الشيخ محمد بن صالح لعاثين ـ رحمه الله ـيم
عن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أيضا قال : "
بينما نحن جلوس عند رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ذات يوم ، إذ
طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر
السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم
ـ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني
عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : الإسلام : أن
تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي
الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت .
فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله
، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره .
قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ،
فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسئول
عنها بأعلم من السائل ! قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة
ربّتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان .
ثم انطلق فلبثت مليا ، ثم قال : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله
أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم .
الشرح :
هذا الحديث يستفاد منه فوائد :
منها : أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مجالسة أصحابه ، وهذا الهدي يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أنه ينبغي للإنسان أن يكون ذا عشرة مع الناس ومجالسة ، وأن لا ينزوي عنهم .
ومن
فوائد الحديث : أن الخلطة مع الناس أفضل من العزلة ما لم يخش الإنسان على
دينه ، فإن خشي على دينه فالعزلة أفضل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"
يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ".
ومن فوائد هذا الحديث:
أن
الملائكة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يمكن أن يظهروا للناس بأشكال البشر ؛
لأن جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ طلع على الصحابة على الوصف المذكور في
الحديث رجل شديد سواد الشعر ، شديد بياض الثياب ، لا يُرى عليه أثر السفر
، ولا يعرفه من الصحابة أحد .
ومن فوائد الحديث :
حسن أدب
المتعلم أمام المعلم حيث جلس جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمام النبي
صلى الله عليه وسلم هذه الجلسة الدالة على الأدب والإصغاء والاستعداد لما
يلقى إليه ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه .
ومنها :
جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم باسمه ، لقوله : " يا محمد " . وهذا
يحتمل أنه قبل النهي أي : قبل نهي الله تعالى عن ذلك في قوله : (( لا
تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا )) [ النور : 63 ] . على أحد
التفسيرين ، ويحتمل أن هذا جرى على عادة الأعراب الذين يأتون إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم فينادونه باسمه : يا محمد . وهذا أقرب ؛ لأن الأول
يحتاج إلى التاريخ .
ومن فوائد هذا الحديث :
جواز سؤال الإنسان عما
يعلم من أجل تعليم من لا يعلم ؛ لأن جبريل كان يعلم الجواب ؛ لقوله في
الحديث " صدقت " ولكن إذا قصد السائل أن يتعلم من حول المجيب فإن ذلك
يعتبر تعليما لهم .
ومن فوائد هذا الحديث : أن المتسبب له حكم المباشر
إذا كانت المباشرة مبنية على السبب ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"
هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " . مع أن المعلم هو الرسول ـ عليه الصلاة
والسلام ـ لكن لمّا كان جبريل هو السبب لسؤاله جعله الرسول ـ عليه الصلاة
والسلام ـ هو المعلم .
ومن فوائد هذا الحديث : بيان أن الإسلام له
خمسة أركان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بذلك وقال :" الإسلام: أن
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ،وتؤتي
الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لابد أن يشهد الإنسان شهادة بلسانه موقنا بها بقلبه أن لا إله إلا الله .
فمعنى"
لا إله ": أي لا معبود حق إلا الله ، فتشهد بلسانك موقنا بقلبك أنه لا
معبود من الخلق : من الأنبياء ، أو الأولياء ، أو الصالحين ، أو الشجر ،
أو الحجر ، أو غير ذلك حق إلا الله ، وأن ما عبد من دون الله فهو باطل ؛
لقول الله تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل
وأن الله هو العلي الكبير )) [ الحج : 62 ] .
ومن فوائد هذا الحديث :
أن هذا الدين لا يكمل إلا بشهادة أن محمدا رسول الله ، وهو محمد بن عبد
الله القرشي الهاشمي ، ومن أراد تمام العلم بهذا الرسول الكريم فليقرأ
القرآن وما تيسر من السنة وكتب التاريخ .
ومن فوائد هذا الحديث : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا
رسول الله في ركن واحد ؛ وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بأمرين :
الإخلاص لله : وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله .
والمتابعة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وهو ما تتضمنه شهادة أن محمدا رسول الله
؛ ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ركنا واحدا في حديث ابن عمر حيث
قال : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول
الله ، وإقام الصلاة ......" وذكر تمام الحديث . ومن فوائد هذا الحديث :
أنه لا يتم إسلام العبد حتى يقيم الصلاة ، ولإقامة الصلاة أن يأتي بها
مستقيمة حسب ما جاءت به الشريعة ، ولها ـ أي : لإقامة الصلاة ـ إقامة
واجبة وإقامة كاملة .
فالواجبة : أن يقتصر على أقل ما يجب فيها .
والكاملة : أن يأتي بمكملاتها على حسب ماهو معروف في الكتاب والسنة وأقوال العلماء .
ومن
فوائد الحديث : أنه لا يتم الإسلام إلا بإيتاء الزكاة . والزكاة : هي
المال المفروض من الأموال الزكوية . وإيتاؤها : إعطاؤها من يستحقها ، وقد
بين الله ذلك في سورة التوبة في قوله : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم )) [ التوبة : 60 ] .
وأما صوم رمضان : فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات منطلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ورمضان هو الشهر الذي بين شعبان وشوال .
وأما
حج البيت : فهو القصد إلى مكة لأداء المناسك ، وقيد بالإستطاعة ؛ لأن
الغالب فيه المشقة ، وإلا فجميع الواجبات يشترط لوجوبها الإستطاعة ؛ لقوله
تعالى : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) [ التغابن : 16 ] .
ومن القواعد المقررة عند العلماء : أنه لا واجب مع عجز ، ولا محرم مع الضرورة .
ومن
فوائد هذا الحديث : وصف الرسول الملكي للرسول البشري محمد صلى الله عليه
وسلم بالصدق ، ولقد صدق جبريل فيما وصفه بالصدق ، فإن النبي صلى الله عليه
وسلم أصدق الخلق .
ومن فوائد الحديث : ذكاء الصحابة حيث تعجبوا كيف
يصدق السائل من سأله ؟! والأصل أن السائل جاهل ، والجاهل لا يمكن أن يحكم
على الكلام بالصدق أو بالكذب ، لكن هذا العجب زال حين قال النبي صلى الله
عليه وسلم :" هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " .
ومن فوائد الحديث : أن
الإيمان يتضمن ستة أمور : وهي الإيمان بالله ، وملائكته ،وكتبه ،ورسله ،
واليوم الآخر ، والقضاء والقدر خيره وشره .
ومن فوائد الحديث :
التفريق بين الإسلام والإيمان، وهذا عند ذكرهما جميعا ، فإنه يفسر الإسلام
بأعمال الجوارح ، والإيمان بأعمال القلوب ، ولكن عند الإطلاق يكون كل واحد
منهما شاملا للآخر ، فقوله تعالى : (( ورضيت لكم الإسلام )) [ المائدة : 3
] . وقوله : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا )) [ آل عمران : 85 ] . يشمل
الإسلام والإيمان ، وقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( وأن الله مع المؤمنين
)) [ الأنفال : 19 ] . وما أشبهها من الآيات يشمل الإيمان والإسلام ،
وكذلك قوله تعالى : (( فتحرير رقبة مؤمنة )) [ النساء : 92 ] .يشمل
الإسلام والإيمان .
أما إذا ذكرا جميعا فيفسر كل واحد منهما بما دل عليه هذا الحديث .
ومن
فوائد هذا الحديث العظيم : أن الإيمان بالله أهم أركان الإيمان وأعظمها ؛
ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أن تؤمن بالله " .
والإيمان
بالله يتضمن : الإيمان بوجوده ، وربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته ،
ليس هو الإيمان بمجرد وجوده ، بل أن يتضمن الإيمان هذه الأمور الأربعة :
الإيمان بوجوده ، وربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته .
ومن فوائد
هذا الحديث العظيم : إثبات الملائكة ، والملائكة : عالم غيبي وصفهم الله
تعالى بأوصاف كثيرة في القرآن ، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في السنة
.
وكيفية الإيمان بهم : أن تؤمن بأسماء من عينت أسماؤهم منهم، ومن لم
يعين أسمائهم فإننا نؤمن بهم إجمالا ، ونؤمن كذلك بما ورد من أعمالهم التي
يقومون بها ما علمنا منها ، ونؤمن كذلك بأوصافهم التي وصفوا بها ما علمنا
منها ، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ـ عليه الصلاة
والسلام ـ وله ستمائة جناح قد سد الأفق على خلقته التي خلق عليها .
وواجبنا
نحو الملائكة أن نصدق بهم ، وأن نحبهم ؛ لأنهم عباد الله قائمون بأمره ،
كما قال تعالى : (( ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ـ يسبحون
الليل والنهار لا يفترون )) [ الأنبياء : 19 ـ 20 ] .
ومن فوائد هذا
الحديث : وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عزوجل على رسله ـ عليهم
الصلاة والسلام ـ قال الله تعالى : (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا
معهم الكتاب والميزان )) [ الحديد :25 ] .
فنؤمن بكل كتاب أنزله
الله على رسله ، لكن نؤمن به إجمالا ، ونصدق بأنه حق ، أما تفصيلا : فإن
الكتب السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغيير ، فلم يمكن للإنسان أن
يميزالحق منها من الباطل ، وعل هذا فنقول : نؤمن بما أنزل الله من الكتب
على سبيل الإجمال ، أما التفصيل : فإننا نخشى أن يكون مما حُرّف وبُدّل
وغُيّر ، هذا بالنسبة للإيمان بالكتب . أما العمل بها : فالعمل إنما هو
بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فقط ، أما ما سواه فقد نسخ بهذه
الشريعة .
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب الإيمان بالرسل ـ عليهم
الصلاة والسلام ـ فنؤمن بأن كل رسول أرسله الله فهو حق أتى بالحق ، صادق
فيما أخبر ، صادق بما أمر به ، نؤمن بهم إجمالا فيمن لم نعرفه بعينه ،
وتفصيلا فيمن عرفناه بعينه .
قال تعالى : (( ولقدأرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك )) [ غافر : 78 ] .
فمن
قص علينا وعرفناه آمنا به بعينه ، ومن لم يقص علينا ولم نعرفه نؤمن به
إجمالا ، والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله
عليه وسلم ، ومنهم الخمسة أولو العزم الذين جمعهم الله في آيتين من كتاب
الله ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ في سورة الأحزاب : (( وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم )) [ الأحزاب
: 7 ] الآية . وقال تعالى في سورة الشورى ( شرع لكم من الدين ما وصى به
نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين
ولا تتفرقوا فيه )) [ الشورى : 13 ] الآية .
ومن فوائد هذا الحديث :
الإيمان باليوم الآخر ،واليوم الآخر : هو يوم القيامة ، وسمي آخرا ؛ لأنه
آخر المطاف للبشر ، فإن للبشر أربعة دور :
الدار الأولى : بطن أمه .
والدار الثانية : هذه الدنيا . والدار الثالثة : البرزخ . والدار الرابعة
: اليوم الآخر. ولا دار بعده ، فإما إلى جنة ، وإما إلى نار .
والإيمان
باليوم الآخر يدخل فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " كل
ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فيدخل في ذلك
ما يكون في القبر من سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه ، وما يكون في القبر
من نعيم أو عذاب ".
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره وذلك بأن تؤمن بأمورأربعة :
الأول : أن تؤمن أنالله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة .
الثالث : أن تؤمن بأن كل ما يحدث في الكون فإنه بمشيئة الله عز وجل لا يخرج شيء عن مشيئته .
الرابع
: أن تؤمن بأن الله خلق كل شيء ، فكل شيء مخلوق لله عزوجل سواء كان من
فعله الذي يختص به كإنزال المطر ، وإخراج النبات ، أو من فعل العبد وفعل
المخلوقات ، فإن فعل المخلوقات من خلق الله عز وجل ، لأن فعل المخلوق ناشئ
عن إرادة وقدرة ، والإرادة والقدرة من صفات العبد ، والعبد وصفاته مخلوقة
لله عزوجل ، فكل ما في الكون فهو من خلق الله تعالى .
ولقد قدر الله
عز وجل ما يكون إلى يوم القيامة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ،
فما قدر على الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما لم يقدرلم يكن ليصيبه ، هذه
أركان الإيمان الستة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتم الإيمان
إلا بالإيمان بها جميعا ، نسأل الله أن يجعلنا جميعا من المؤمنين بها .
ومن
فوائد هذا الحديث : بيان الإحسان : وهو أن يعبد الإنسان ربه عبادة رغبة
وطلب كأنه يراه ، فيجب أن يصل إليه ، وهذه الدرجة من الإحسان هي الأكمل ،
فإن لم يصل إلى هذه الحال فإلى الدرجة الثانية أن يعبد الله عبادة خوف ،
وهرب من عذابه ؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإن لم تكن تراه
فإنه يراك " . أي : فإن لم تعبده كأنك تراك فإنه يراك .
ومن فوائد
هذا الحديث العظيم: أن علم الساعة مكتوم لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فمن
ادعى علمه فهو كاذب ، وهذا كان خافيا على أفضل الرسل من الملائكة ، وأفضل
الرسل من البشر محمد وجبريل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ .
ومن فوائد هذا
الحديث: أن للساعة أشراطا ـ أي :علامات ـ كما قال تعالى : ((فهل ينظرون
إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها )) [ محمد : 18]. ، أي :
علاماتها .
وقسم العلماء علامات الساعة إلى ثلاث أقسام : قسم مضى ،
وقسم لا يزال يتجدد ، وقسم لا يأتي إلا قرب قيام الساعة تماما ، وهي
الأشراط الكبيرة العظمى : كنزول عيسى بن مريم عليه السلام ، والدجال ،
ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها .
وقد ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم من أماراتها أن تلد الأمة ربتها ـ يعني : أن تكون المرأة أمة
فتلد امرأة فتكون هذه المرأة غنية تملك مثل أمها ـ وهو كناية عن سرعة كثرة
المال ، وانتشاره بين الناس، ويؤيد ذلك المثل الذي بعده " وأن ترى الحفاة
العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " .
ومن فوائد هذا
الحديث : حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث استفهم الصحابة هل
يعلمون هذا السائل أم لا ؟ من أجل أن يعلمهم به ، وهذا أبلغ مما لو علمهم
ابتداء ؛ لأنه إذا سألهم ثم علمهم كان ذلك أدعى لوعي ما يقول وثبوته .
ومن
فوائد هذا الحديث العظيم : أن السائل عن العلم يعتبر معلما ، وسبقت
الإشارة إلى هذا لكن أريد أن أبين أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عما يحتاجه
الناس ولو كان عالما به من أجل أن ينال التعليم ، والله الموفق .
المصدر :
التعليقات على الأربعين النووية
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ .